* سورة "المنافقون" مدنية،
شأنها شأن سائر السور المدنية، التي تعالج "التشريعات والأحكام" وتتحدث عن الإِسلام
من زاويته العملية وهي القضايا التشريعية.
* والمحور الذي تدور عليه
السورة الكريمة هو الحديث بإِسهاب عن النفاق والمنافقين، حتى سميت السورة بهذا
الاسم الفاضح، الكاشف لأستار النفاق "سورة المنافقون".
* تناولت السورة الكريمة في
البدء أخلاق المنافقين، وصفاتهم الذميمة التي من أظهرها الكذب، ومخالفة الظاهر
للباطن، فإِنهم يقولون بألسنتهم ما لا تعتقده قلوبهم، ثم تآمرهم على الرسول صلى
الله عليه وسلم وعلى المسلمين، وقد فضحتهم السورة وكشفت عن مخازيهم وإِجرامهم، فهم
بتظاهرهم بالإِسلام يصدُّون الناس عن دين الله وينالون من دعوة الإِسلام ما لا
يناله الكفار المعلن لكفره، ولذلك كان خطرهم أعظم، وضررهم أكبر وأجسم {إن
المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم
نصيراً}.
* كما تحدثت السورة الكريمة
عن مقالاتهم الشنيعة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتقادهم بأنَّ دعوته
ستضمحل وتتلاشى، وأنهم بعد عودتهم من "غزوة بني المصطلق" سيطردون الرسول والمؤمنين
من المدينة المنورة، إِلى غير ما هنالك من أقوال شنيعة.
* وختمت السورة الكريمة
بتحذير المؤمنين من أن ينشغلوا بزينة الدنيا ولهوها ومتاعها عن طاعة الله وعبادته
شأن المنافقين، وبيّنت أن ذلك طريق الخسران، وأمر بالإِنفاق في سبيل الله ابتغاء
مرضاة الله، قبل أن يفوت الأوان بانتهاء الأجل، فيتحسر الإِنسان ويندم حيث لا تنفع
الحسرة والندم.
الكذب من صفات المنافقين
الذميمة
{إِذا جاءك
المنافقون} أي إِذا أتاك يا محمد المنافقون
وحضروا مجلسك كعبد الله بن سلول وأصحابه {قالوا نشهد إِنك لرسولُ الله} أي
قالوا بألسنتهم نفاقاً ورياءً : نشهد بأنك يا محمد رسولُ الله، يقولون بألسنتهم ما
ليس في قلوبهم قال أبو السعود : أكَّدوا كلامهم بإِنَّ واللام {إنك لرسول
الله} للإِيذان بأنَّ شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم، وخلوص اعتقادهم، ووفور
رغبتهم ونشاطهم {واللهُ يعلم إِنك لرسوله} أي واللهُ جل وعلا يعلم أنك يا
محمد رسولُه حقاً، لأنه هو الذي أرسلك، والجملةُ اعتراضية جيء بها لدفع توهم
تكذيبهم في دعوى رسالته صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم السامع أن قولهم {إنك
لرسولُ الله} كذبٌ في حدِّ ذاته قال ابن جزي : وقوله {واللهُ يعلم
إِنك لرسوله} ليس من كلام المنافقين، وإِنما هو من كلام الله تعالى، ولو لم
يذكره لكان يوهم أن قوله {واللهُ يشهد إِن المنافقين لكاذبون} إِبطالٌ
للرسالة، فوسَّطه بين حكاية المنافقين وبين تكذيبهم ليزيل هذا الوهم وليحقق الرسالة
ثم قال تعالى {واللهُ يشهدُ إِن المنافقين لكاذبون} أي يشهد بكذب المنافقين
فيما أظهروه من شهادتهم وحلفهم بألسنتهم، لأنَّ من قال بلسانه شيئاً واعتقد خلافه
فهو كاذب، والإِظهار في موضع الإِضمار {إن المنافقين} لذمهم وتسجيل هذه
الصفة القبيحة عليهم، كما جاءت الصيغة مؤكدة بإِنَّ واللام زيادةً في التقرير
والبيان {اتخذوا أيمْانهم جُنَّةً} أي اتخذوا أيمانهم الفاجرة وقاية وسُترةً
يستترون بها من القتل قال الضحاك : هي حلفهم بالله إِنهم مسلمون {فصدُّوا
عن سبيل الله} أي فمنعوا الناسَ عن الجهادِ، وعن الإِيمان بمحمد صلى الله عليه
وسلم قال الطبري : أي أعرضوا عن دين الله الذي بعث به نبيه صلى الله عليه
وسلم وشريعته التي شرعها لخلقه وقال ابن كثير: إِن المنافقين اتقوا الناس
بالأيمان الكاذبة، فاغترَّ بهم من لا يعرف جليَّة أمرهم، فاعتقدوا أنهم مسلمون، وهم
في الباطن لا يألون الإِسلام وأهله خبالاً، فحصل بذلك ضررٌ كبير على كثير من الناس
{إنهم ساء ما كانوا يعملون} أي قبح عملهم وصنيعهم لأنهم يظهرون بمظهر
الإِيمان، وهم من أهل النفاق والعصيان، فبئست أعمالهم الخبيثة من نفاقهم وأيمانهم
الكاذبة قال الصاوي: وساءَ كبئس في إرادة الذم، وفيها معنى التعجب وتعظيم
أمرهم عند السامعين {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} أي ذلك الحلف الكاذب والصدُّ
عن سبيل الله، بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم قال أبو السعود: أي
نطقوا بكلمة الشهادة عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم المجرمين، وما فيه
من الإِشارة بالبعيد "ذلك" للإِشعار ببعد منزلته في الشر {فطُبع على قلوبهم}
أي ختم على قلوبهم فلا يصل إِليها هدى ولا نور {فهم لا يفقهون} أي فهم لا
يعرفون الخير والإِيمان، ولا يفرقون بين الحسن والقبيح، لختم الله على قلوبهم
{وإِذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} أي وإِذا رأيتَ هؤلاء المنافقين، أعجبتك
هيئاتهم ومناظرهم، لحسنها ونضارتها وضخامتها {وإِن يقولوا تسمع لقولهم} أي
وإِن يتكلموا تُصغ لكلامهم، لفصاحتهم وذلاقة لسانهم قال ابن عباس: كان ابن
سلول - رأس المنافقين - جسيماً، فصيحاً، ذلق اللسان، فإِذا قال سمع النبي صلى الله
عليه وسلم قوله، وكذلك كان أصحابه إِذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يعجب
الناس بهياكلهم {كأنَّهم خُشبٌ مُسندة} أي يشبهون الأخشاب المسنَّدة إِلى
الحائط، في كونهم صوراً خالية عن العلم والنظر، فهم أشباحٌ بلا أرواح، وأجسام بلا
أحلام قال أبو حيان: شُبّهوا بالخشب لعزوب أفهامهم، وفراغ قلوبهم من
الإِيمان، والجملة التشبيهية وصفٌ لهم بالجبن والخور، ولهذا قال {يحسبون كلَّ
صيحةٍ عليهم} أي يظنون - لجبنهم وهلعهم - كل نداء وكل صوت، موجَّهاً إليهم، فهم
دائماً في خوفٍ ووجل من أن يهتك الله أستارهم، ويكشف أسرارهم قال ابن كثير:
كلما وقع أمر أو خوفٌ يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم قال مقاتل: إذا سمعوا نشدان
ضالة، أو صياحاً بأي وجه كان، طارت عقولهم، وظنوا ذلك إيقاعاً بهم {هم العدوُّ
فاحذرهم} أي هم الأعداء الكاملون في العداوة لك وللمؤمنين وإِن أظهروا
الإِسلام، فاحذرهم ولا تأمنهم على سرّ، فإِنهم عيونٌ لأعدائك {قاتلهم اللهُ}
جملة دعائية أي أخزاهم الله ولعنهم، وأبعدهم عن رحمته {أنَّى يُؤفكون} أي
كيف يصرفون عن الهدى إِلى الضلال ؟ وكيف تضل عقولهم مع وضوح الدلائل والبراهين !؟
وفيه تعجيب من جهلهم وضلالهم، وانصرافهم عن الإِيمان بعد قيام البرهان، روى الإِمام
أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ للمنافقين علامات
يُعرفون بها: تحيتُهم لعنة، وطعامهم نُهبة، وغنيمتُهم غلول، لا يقربون المساجد إِلا
هُجراً، ولا يأتون الصلاة إِلا دُبُراً، مستكبرين لا يألفون ولا يُؤْلفون، خشبٌ
بالليل، صُخبٌ بالنهار).
دلائل كذب
المنافقين
سبب النزول
:
نزول الآية (5)
:
{وإذا قيل
لهم ..} : أخرج ابن جرير عن قتادة قال : قيل
لعبد الله بن أبي : لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه،
فنزلت فيه : {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله} الآية. وأخرج ابن
المنذر عن عكرمة مثله.
أن
النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطِلق على ماء يقال له (الْمُرَيْسِيع) من
ناحية (قُدَيد) إلى الساحل، فازدحم أجير لعمر يقال له (جَهْجاه) مع حَليف لعبد الله
بن أُبي يقال له (سِنان) على ماء (بالْمُشَلِّل) فصرخ جهجاه بالمهاجرين، وصرخ سِنان
بالأنصار، فلَطَم جهجاه سناناً، فقال عبد الله بن أُبي: أوَ قد فعلوها ! والله ما
مثلنا ومَثَلُهم إلا كما قال الأول : سَمِّن كلبك يأكلْك، أما والله لئن رجعنا إلى
المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل - يعني محمداً صلى الله عليه وسلم - ثم قال
لقومه: كُفُّوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تنفقوا على من عندّه حتى ينفضّوا ويتركوه،
فقال زيد بن أرقم - وهو من رهط عبد الله -: أنت والله الذليل الْمُنْتَقَص في قومك،
ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن، ومودّة من المسلمين، والله لا أحبك بعد
كلامك هذا أبداً، فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب. فأخبر زيد النبي صلى الله
عليه وسلم بقوله، فأقسم بالله ما فعل ولا قال، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم. قال
زيد: فوجدت في نفسي ولامَني الناس، فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد
الله. فقيل لعبد الله: قد نزلت فيكءايات شديدة،
فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فألوى برأسه، فنزلت الآيات.
[متفق عليه].
نزول الآية (6)
:
{استغفر
لهم ..} : أخرج ابن جرير عن عروة قال : لما نزلت
: {استغفرْ لهم أو لا تَسْتغفرْ لهم إنْ تَسْتغفِرْ لهم سبعين مرةً فلَنْ
يَغْفِرَ الله لهم} [التوبة : 80] قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لأزيدن على
السبعين"، فأنزل الله : {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ..}
الآية.
نزول الآيتين (7،
:أخرج البخاري كما تقدم
وأحمد وغيرهما عن زيد بن أرقم قال : سمعت عبد الله بن أُبيْ يقول لأصحابه : {لا
تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} فلئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز
منها الأذل، فذكرت ذلك لعمِّي، فذكر ذلك عمي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني
النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد
الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذَّبني، وصدّقه، فأصابني شيء لم يصبني
مثله، فجلست في البيت، فقال عمي: ما أردتَ إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومقَتك، فأنزل الله : {إذا جاءك المنافقون} فبعث إِليّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقرأها، ثم قال : "إن الله قد صدَّقك". {وإذا قيل لهم تعالوا
يستغفر لكم رسولُ الله} أي وإِذا قيل لهؤلاء
المنافقين : هلُمُّوا إِلى رسول الله حتى يطلب لكم المغفرة من الله {لوَّوا
رؤوسهم} أي حركوها وهزوها استهزاءً واستكباراً {ورأيتهم يصدُّون وهم
مستكبرون} أي وتراهم يعرضون عمَّا دُعوا إِليه، وهم متكبرون عن استغفار رسول
الله صلى الله عليه وسلم لهم، وجيء بصيغة المضارع ليدل على استمرارهم على الإِعراض
والعناد قال المفسرون: لمَّا نزلت الآيات تفضح المنافقين وتكشف الأستار
عنهم، مشى إِليهم أقرباؤهم من المؤمنين، وقالوا لهم: ويلكم لقد افتضحتم بالنفاق
وأهلكتم أنفسكم، فائتوا رسول الله وتوبوا إِليه من النفاق واسألوه يستغفر لكم،
فأبوا وحركوا رؤوسهم سخريةً واستهزاءً فنزلت الآية، ثم جاؤوا إِلى "ابن سلول"
وقالوا له: امض إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترفْ بذنبك يستغفر لك، فلوَّى
رأسه إِنكاراً لهذا الرأي ثم قال لهم: لقد أشرتم عليَّ بالإِيمان فآمنتُ، وأشرتم
عليَّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلتُ، ولم يبق لكم إلاَّ أن تأمروني بالسجود لمحمد !!
ثم بيَّن تعالى عدم فائدة الاستغفار لهم، لأنهم مردوا على النفاق فقال {سواءٌ
عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} أي يتساوى الأمر بالنسبة لهم، فإِنه لا
ينفع استغفارك لهم شيئاً، لفسقهم وخروجهم عن طاعة الله ورسوله قال الصاوي:
والآية للتيئيس من إِيمانهم أي إن استغفارك يا محمد وعدمه سواء، فهم لا يؤمنون لسبق
الشقاوة لهم {لن يغفر اللهُ لهم} أي لن يصفح الله عنهم لرسوخهم في الكفر،
وإِصرارهم على العصيان، ثم علَّله بقوله {إنَّ الله لا يهدي القوم الفاسقين}
أي لا يوفق للإِيمان، من كان فاسقاً خارجاً عن طاعة الرحمن .. ثم زاد تعالى في بيان
قبائحهم وجرائمهم فقال {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسولِ اللهِ حتى
ينفضُّوا} أي هم الفجرة الذين قالوا لا تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن
محمد قال أبو حيّان: والإِشارة إِلى ابن سلول ومن وافقه من قومه، سفَّه
أحلامهم في أنهم ظنوا أن رزق المهاجرين بأيديهم، وما علموا أن ذلك بيد الله تعالى،
وقولهم {على من عندَ رسول الله} هو على سبيل الهزء، إذ لو كانوا مقرين
برسالته ما صدر منهم ما صدر، والظاهر أنهم لم ينطقوا بنفس ذلك اللفظ، ولكنه تعالى
عبَّر به عن رسوله إكراماً له وإِجلالاً {وللهِ خزائنُ السماواتِ والأرض} أي
هو تعالى بيده مفاتيح الرزق يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ولا يملك أحدٌ أن يمنع فضل
الله عن عباده {ولكنَّ المنافقين لا يفقهون} أي ولكنَّ المنافقين لا يفهمون
حكمة الله وتدبيره، فلذلك يقولون ما يقولون من مقالات الكفر والضلال .. ثم عدَّد
تعالى بعض قبائحهم وأقوالهم الشنيعة فقال {يقولون لئن رجعنا إِلى المدينة}
أي يقولون لئن رجعنا من هذه الغزوة - غزوة بني المصطلق - وعدنا إِلى بلدنا "المدينة
المنورة" {ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ} أي لنجرجنَّ منها محمداً وصحبه،
والقائل هو ابن سلول، وعنى بالأعز نفسه وأتباعه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومن معه قال المفسرون: لما قال ابن سلول ما قال ورجع إِلى المدينة، وقف
له ولده "عبد الله" على باب المدينة واستلَّ سيفه، فجعل الناسُ يمرون به، فلما جاء
أبوه قال له ابنه : وراءك، والله لا تدخل المدينة أبداً حتى تقول: إنَّ رسول الله
هو الأعزُّ، وأنا الأذل فقالها، ثم جاء إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله : بلغني أنك تريد أن تقتل أبي، فإِن كنت فاعلاً فمرني فأنا أحمل إِليك
رأسه !! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقى
معنا {وللهِ العزَّة ولرسوله وللمؤمنين} أي لله جل وعلا القوة والغلبة ولمن
أعزه وأيده من رسوله والمؤمنين لا لغيرهم، والصيغة تفيد الحصر قال القرطبي:
توهموا أنَّ العزة بكثرة الأموال والأتباع، فبيَّن الله أن العزة والمنعة لله
ولرسوله وللمؤمنين {ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} أي ولكنَّ المنافقين لفرط
جهلهم وغرورهم لا يعلمون أن العزة والغلبة لأوليائه دون
أعدائه.
تحذير المؤمنين من
الأموال والأولاد، وحثهم على الإنفاق
{يا أَيُّها الًّذين
آمنوا لا تُلْهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}لما ذكر قبائح المنافقين، نهى المؤمنين عن التشبه بهم في
الاغترار بالأموال والأولاد ومعنى: لا تشغلكم أيها المؤمنون الأموال والأولاد عن
طاعة الله وعبادته، وعن أداء ما ا فترضه عليكم من الصلاة، والزكاة، والحج، كما شغلت
المنافقين قال أبو حيان: أي لا تشغلكم أموالكم بالسعي في نمائها، والتلذذ
بجمعها، ولا أولادكم بسروركم بهم، وبالنظر في مصالحهم، عن ذكر الله وهو عام في
الصلاة، والتسبيح، والتحميد، وسائر الطاعات {ومن يفعل ذلك فأولئك هم
الخاسرون} أي ومن تشغله الدنيا عن طاعة الله وعبادته، فأولئك هم الكاملون في
الخسران، حيث آثروا الحقير الفاني على العظيم الباقي، وفضلوا العاجل على الآجل
{وأنفقوا مما رزقناكم} أي وأنفقوا في مرضاة الله، من بعض ما أعطيناكم
وتفضلنا به عليكم من الأموال {من قبل أن يأتي أحدَكُم الموتُ} أي قبل أن
يحلَّ الموتُ بالإِنسان، ويصبح في حالة الاحتضار {فيقول ربِّ لولا أخرتني إِلى
أجلٍ قريب} أي فيقول عند تيقنه الموت: يا ربِّ هلاَّ أمهلتني وأخرت موتي إِلى
زمنٍ قليل !! {فأصَّدق وأكنْ من الصالحين} أي فأتصدق وأحسن عملي، وأصبح
تقياً صالحاً قال ابن كثير: كلُّ مفرطٍ يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة
ليستدرك ما فات، ولكن هيهات {ولن يُؤَخر اللهُ نفساً إِذا جاء أجلُها} أي
ولن يمهل الله أحداً أياً كان إِذا انتهى أجله، ولن يزيد في عمره، وفيه تحريضٌ على
المبادرة بأعمال الطاعات، حذراً أن يجيء الأجل وقد فرَّط ولم يستعد للقاء ربه
{والله خبير بما تعملون} أي مطلع وعالم بأعمالكم من خير أو شر، ومجازيكم
عليها.